سجال أميركي صيني يُعزز شبح الحرب التجارية

تبنى الرئيس الأميركي لهجة أقل حدة عند حديثه عن الصين، الأحد، عندما قال عبر صفحته على تروث سوشيال: “لا تقلقوا بشأن الصين. . كل شيء سيكون على ما يرام”، وهو ما يُتوقع أن يُشكل دعماً لـ “وول ستريت” عند افتتاح التعاملات الرئيسية في مستهل الأسبوع.
يأتي ذلك بعد الخسائر الحادة التي مُنيت بها المؤشرات الأميركية بجلسة الجمعة على وقع تصعيد ترامب لحربه التجارية ضد بكين وإعلانه عن رسوم جديدة بنسبة 100 بالمئة، بعد أن فرضت الصين ضوابط تصدير شاملة على المعادن النادرة.
ورغم تصريحات ترامب الأخيرة، فإن المسار المستقبلي الذي سوف يسلكه حيال الصين في الفترة المقبلة غير واضحة معالمه حتى الآن، وتظل ورقة “التوترات التجارية” قائمة إلى حد كبير، وتراقبها الأسواق عن كثب.
وانتقدت بكين بشدة خطة الرئيس الأميركي لفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100 بالمئة على الصادرات الصينية وهددت باتخاذ تدابير مضادة جديدة حيث ألقت باللوم على الولايات المتحدة في تصعيد التوترات بين القوتين.
واتهمت وزارة التجارة الصينية الولايات المتحدة بفرض قيود جديدة على الصين، بما في ذلك وضع مجموعات على القائمة السوداء التجارية، منذ أن أجرى مسؤولون صينيون وأميركيون محادثات في مدريد الشهر الماضي كجزء من الهدنة في الحرب التجارية.
وقالت الوزارة يوم الأحد “موقف الصين بشأن الحروب الجمركية ثابت: نحن لا نريد القتال، لكننا لسنا خائفين من القتال”.
وأضافت وزارة التجارة أن الجانب الأميركي “أساء استخدام ضوابط التصدير” لفترة طويلة وتجاوز مفهوم الأمن القومي.
وأثارت سلسلة التصريحات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين تكهنات حول ما إذا كان الجانبان يستعدان للتوصل إلى تسوية أو التصعيد، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز.
وينقل التقرير عن المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية لشؤون الصين، كريستوفر جونسون، والذي يرأس مجموعة استشارات استراتيجيات الصين، قوله:
– إن الرئيس الصيني ربما فرض ضوابط المعادن النادرة لإثارة ترامب ودفعه إلى المبالغة في رد فعله.
– “لقد رأى شي ما حدث في أبريل عندما صعد ترامب بسرعة وأجبره شي على التراجع المحرج من خلال لكمة قوية”.
– “وفي هذه الحالة، قد يحصل الرئيس الصيني على دفعة مماثلة في التصورات العالمية لمكانة الصين في المواجهة، كذلك يحصل في الوقت نفسه على مناورة استراتيجية ناجحة ذات عواقب محدودة. ”
ويشير التقرير إلى أن تحركات الصين بدت وكأنها تهدف إلى ممارسة نفوذ قبل اجتماع وجهاً لوجه متوقع بين ترامب وشي في نهاية أكتوبر في كوريا الجنوبية. بينما شكك ترامب يوم الجمعة في إمكانية عقد الاجتماع، لكنه صرّح لاحقًا بأنه من المرجح أن يلتقيا.
خسائر متبادلة
تقول الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
– الصين متمسكة بموقفها العقلاني والحازم في مواجهة التهديدات الأميركية (. . ) ووصفت الخطوات الأخيرة بأنها “تصعيد غير مبرر يقوّض أسس التعاون الاقتصادي بين البلدين”.
– تصعيد ترامب الأخير يحمل دوافع سياسية داخلية، إذ تسعى إدارته لاستخدام ملف الصين لكسب التأييد الشعبي وسط ضعف الثقة بالقطاع الصناعي.
– الرسوم ستؤدي إلى خسائر متبادلة، عبر ارتفاع التكاليف الأميركية وزيادة التضخم، في مقابل تراجع محدود للصادرات الصينية التي يمكن تعويضها بتنوّع الأسواق.
– تطبيق الرسوم سيؤدي إلى انخفاض الصادرات الصينية للولايات المتحدة وارتفاع أسعار الإلكترونيات والأثاث في السوق الأميركية، ما قد يرفع التضخم بين 1. 5 و2 نقطة مئوية، كما ستتضرر قطاعات الزراعة والطاقة الأميركية، خاصة صادرات فول الصويا التي تعتمد على السوق الصينية.
وتؤكد شين هوا أن هذه القيود قد تضرب سلاسل التوريد الأميركية، وتزيد تكاليف الإنتاج لشركات مثل أبل ونايكي. في الوقت الذي تشدد فيه على أن الصين تمتلك اقتصاداً مرناً وسوقاً داخلية قوية، موضحة أن بكين “لن تبادر بالتصعيد لكنها لن تخضع للابتزاز الاقتصادي”، داعية إلى الحوار والتعاون للحفاظ على الاستقرار والتنمية العالمية.
محطات رئيسية
شهدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين انفراجاً ملحوظاً منذ التوصل إلى هدنة في جنيف في مايو. وقبل ذلك، كان البلدان محاصرين في حظر تجاري فعلي بعد أن فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 145 بالمئة على بكين، وردّ شي بفرض رسوم جمركية بنسبة 125 بالمئة على السلع الواردة من الولايات المتحدة.
وقال فينج تشوتشنغ، الشريك المؤسس في شركة هوتونج للأبحاث الاستشارية المستقلة ومقرها بكين، إنه بعد محادثات مدريد، بدا الجانبان حريصين على تجنب التصعيد قبل الاجتماع المقترح بين شي وترامب.
لكن هذا الوضع تغير بعد القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة في سبتمبر بتشديد ضوابط التصدير على الشركات الصينية لجعل من الصعب التحايل على القواعد المصممة لإبطاء قدرة الصين على تطوير أشباه الموصلات المتقدمة. قبل أن يعلن ترامب فرض رسوم جديدة بدءاً من نوفمبر المقبل.
وفي السياق، دعا نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس بكين إلى “اختيار طريق العقل” في أحدث حرب تجارية متصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم والتي هزت أسواق الأسهم.
وقال فانس في برنامج “صنداي مورنينغ فيوتشرز” على قناة فوكس نيوز:
– “ستكون عمليةً دقيقة، وسيعتمد الكثير منها على رد فعل الصين”.
– “إذا ردّوا بطريقة عدوانية للغاية، أضمن لكم أن رئيس الولايات المتحدة يملك أوراق ضغط أكثر بكثير من جمهورية الصين الشعبية. ومع ذلك، إذا كانوا مستعدين للتحلي بالعقلانية”، فإن الولايات المتحدة ستفعل ذلك أيضاً.
تداعيات اقتصادية
بدوره، يقول أستاذ الاقتصاد الدولي الدكتور علي الإدريسي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن تصعيد الرئيس الأميركي ضد الصين يوم الجمعة، قبل تبنيه لهجة أقل حدة يوم الأحد، من شأنه أن يخلّف تداعيات اقتصادية وجيوسياسية واسعة، تمتد من الأسواق المالية إلى سلاسل الإمداد العالمية.
ويوضح أن أي تصعيد في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين يعني عودة الرسوم الجمركية المرتفعة على مئات السلع، ما يرفع تكاليف الواردات الأميركية ويغذي الضغوط التضخمية داخل الولايات المتحدة.
ويضيف: الشركات الأميركية الكبرى مثل “تسلا” و”آبل” و”نايكي” ستكون من بين الأكثر تضرراً في حال ردّت بكين بإجراءات مضادة، الأمر الذي قد يدفعها لتسريع نقل خطوط إنتاجها إلى دول آسيوية أخرى مثل فيتنام والهند وماليزيا.
كما يشير إلى أن مثل هذا التصعيد عادة ما يزيد من حالة القلق في الأسواق المالية العالمية، ما يعزز الإقبال على الأصول الآمنة كالذهب والدولار، ويضغط في المقابل على أسواق الأسهم الأميركية والآسيوية.
وفي البعد الجيوسياسي، يرجّح الإدريسي أن يفاقم التصعيد حالة الاستقطاب بين المعسكرين الأميركي والصيني، لا سيما في الملفات الحساسة مثل تايوان والتكنولوجيا المتقدمة وشبكات الاتصالات والذكاء الاصطناعي.
ويختتم قائلاً إن أي توتر بين أكبر اقتصادين في العالم يؤثر حتماً في وتيرة النمو العالمي، خاصة في ظل هشاشة سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، ما قد ينعكس سلباً على أسعار الطاقة والمعادن وحركة التجارة الدولية.
المصدر: skynewsarabia




